موسم الحرائق في عكّار كارثي: يساوي 3 سنوات حرائق في لبنان!
دقّت “جمعية درب عكّار” جرس الإنذار من الخطر البيئي الذي يُهدّد أحراج وغابات المنطقة، عندما كشفت في تقرير لها أنّ المساحة الحرجية التي تضرّرت بسبب الحرائق التي اندلعت في عكّار هذه السنة، بلغت حتى يوم السّبت 9 تشرين الأوّل الجاري، 2580 هكتاراً، كان آخرها الحريق الذي اندلع بين بلدات بزال وحبشيت وعين الذهب، وقضى على نحو 105 هكتارات من الأشجار الحرجية، معتبرة أنّ موسم الحرائق هذه السنة في المنطقة كان “كارثيًا”، ومشيرة إلى أنّه “يمثل معدّل 3 سنوات من الحرائق على مستوى لبنان”.
فمنذ بداية فصل الصيف، لم يمرّ يوم في عكّار بلا اندلاع حرائق فيها، خصوصاً في المناطق الحرجية والغابات، وأغلبها كان مفتعلاً، إمّا من قبل تجّار الحطب والفحم، أو مزارعين، أو مواطنين، أو صيّادين ومتنزّهين كانوا يعمدون إلى إشعال النّار من أجل إقامة حفلات شواء في الهواء الطلق، ولا يقومون بإخماد النّار كما يجب، الأمر الذي كان يتسبّب باندلاع النيران.
الجمعية في تقريرها تنفي أن تكون عكّار هي المنطقة الأولى في لبنان التي تشهد أكبر عدد من الحرائق في أحراجها وغاباتها، معتبرة أنّ هذا الإنطباع الشّائع “غير صحيح”، مستندة إلى بيانات المجلس الوطني للبحوث العلمية التي تشير إلى أن محافظة جبل لبنان تحتل المرتبة الأولى من حيث عدد الحرائق بـ 994 حريق منذ بداية العام، تليها محافظتَي البقاع والنبطية على التوالي بـ 442 و440 حريق، لكنّها اعتبرت أنّه برغم احتلالها مراتب متأخرة من حيث عدد الحرائق، فإنّ عكّار التي شهدت 284 حريقاً هذا العام “كانت حرائقها الأكثر تطرّفاً وتدميراً”.
ولفتت الجمعية إلى أنّ مساحة جميع الحرائق التي شهدتها المحافظات المذكورة لا توازي مساحة حريق وادي جهنّم الذي يفصل بين عكّار والضنّية لوحده، والتي بلغت 210 هكتارات، (راجع “الأمطار تنقذ “وادي جهنّم”: 210 هكتارات حرجية خسرها بسبب الحرائق”، “أحوال ميديا”، 18 أيلول (سبتمبر) 2021)، ما جعل عكّار من هذه الناحية “منكوبة”، لأنّها “حطّمت كلّ الأرقام” المتعلقة بأضرار الحرائق في لبنان.
كون عكّار الأكثر تأثّراً وتضرّراً من الحرائق يعود برأي الجمعية إلى عوامل عديدة، من أبرزها “تداخل الأراضي الزراعية، واتساع الغطاء الحرجي واتصاله مع بعضه بشكل مباشر”، مشيرة إلى أنّه “على سبيل المثال، فإنّ تجمّع أحراج أكروم وعندقت والقبيات وعكّار العتيقة يشكل أكبر حرج صنوبر برّي في لبنان”، ومضيفة إلى ذلك “عدم قدرة آليات الدفاع المدني والمتطوعين والصهاريج على الوصول إلى مواقع الحرائق كافة بسبب عدم توفر طرقات طوارئ ضمن الغابات، ما يضطرنا للإستعانة بطوّافات الجيش اللبناني لهذه الغاية، دون أن ننسى غياب الوعي وكثرة التعدّيات في ظلّ شبه غياب للمؤسّسات والإدارات المعنية، بداية من التخطيط إلى المراقبة وصولاً إلى التنفيذ”.
هذا الغياب أشارت إليه الجمعية بأنّ فريق العمل لديها “يعمل بإمكانيات متواضعة عبر آليتين مجهزتين أطلقت عليهما إسم “لزّاب” و”شوح”، وفريق مؤلف من 10 متطوعين، للتعامل مع الحرائق في الأماكن الوعرة بدور يتكامل مع دور الدفاع المدني، ويؤمّن له المساندة عند الضرورة”، لافتة إلى أن الحرائق “إستنزفت فريقنا ومعداتنا، وأنّ ارتفاع أسعار المحروقات سرّع من وتيرة إستنزاف مواردنا المحدودة في الأساس”.
الحرائق المندلعة في عكّار كانت محل استياء واسع من النّاشطين والمواطنين. أيمن مراد سأل: “هل يعرف الذي يحرق الأحراج حجم الآثار السلبية الكبيرة على الطبيعة والمناخ والبيئة؟”، في حين أشارت كلود مارغي إلى أنّه “للأسف أصبحت الحرائق خبزاً يومياً لنا في عكّار”.
لكن آخرين ردّوا ارتفاع عدد الحرائق وحجمها إلى استفحال الفقر والأزمات المعيشية في كلّ لبنان، لكن عكّار برأيهم أشد تأثراً من غيرها، ما سيزيد الضغط على الموارد الطبيعية لتأمين المستلزمات الحياتية للمواطنين، وتحديداً الحطب على أبواب فصل الشتاء، ما سيجعل النتائج البيئية كارثية.
محمد سعد ردّ الأمر إلى أنّ “النّاس تحتاج إلى تأمين مونة التدفئة، والمجال الوحيد المتاح أمامها هو الحطب، لأنّ أغلبية الأهالي في عكّار لا قدرة لهم أبداً على شراء المازوت والغاز”، مضيفاً أنّه “لا يوجد إنسان عنده أبناء سيتركهم يموتون برداً وهو لا يملك مالاً لشراء الحطب والمحروقات، بينما بقربه أشجار حرجية أو مثمرة من غير أن يقطعها”، وخاتماً: “الكلّ يعرف حجم الفقر والعوز في عكّار، وأنّ أغلب النّاس فيها “عايشين” من قلّة الموت”.
عبد الكافي الصمد